نشرت هذه المادة في مركز البناء الإخباري
وهي معدلة عن مقالٍ منشورٍ سابقاً بتاريخ 8 شباط
2013
لقراءة المادة في موقع البناء الإخباري على الفيسبوك يرجى الضغط هنا
بات
واضحاً، بعد ما يقرب من ثلاث سنواتٍ من الصراع، أنه لا يوجد حلٌّ سحريٌّ للكارثة التي
تجتاح سوريا. فالتعويل على استنساخ سيناريوهاتٍ طُبِّقَتْ في بلدانٍ مجاورة، أو
استدعاء التدخلات العسكرية المباشرةـ، أو ضخ السلاح والمقاتلين من كل الأطراف لم
يكن له أيُّ أثرٍ إيجابيٍّ في تقريب السوريين من الخلاص، أو إنهاء الاستبداد
والفساد. بل على العكس فقد خسرت سورية ما يزيد على مئة ألف ضحية، مع تهجير وتشريد
الملايين، وتعميم الخراب والدمار، وإشعال فتيل الاقتتال الأهلي والانشطار المجتمعي
في طول البلاد وعرضها.
لا يمكن للحل في سوريا أن يكون وصفةً جاهزةً مؤلفةً من
بنودٍ يُتَّفَقُ على تنفيذها خلال بضعة شهور، بل هو عمليةٌ مستمرةٌ ومجهدة تستند
على أساسٍ سياسيٍّ تفاوضي. ومع التسليم بعدم وجود حلولٍ كاملةٍ وخاليةٍ من العيوب،
فإن المعيار يبقى في قدرة "الحل" على: الانطلاق من قراءةٍ مُعَمّقَةٍ للمشهد
المتغير، وتحديد الغايات التي يجب تحقيقها، مع مراعاة خصوصية الوضع السوري، والتخفيف
قدر الإمكان من الكلفة البشرية والمادية (أو ما بقي منها).
حتى هذه اللحظة يبدو أن شروط المخرج السياسي التفاوضي
غير محققة. إذ يمتلئ المشهد السوري بأطرافٍ عنفية (على رأسها السلطة القائمة
والجماعات المتطرفة) تؤمن بالسلاح كمخرجٍ وحيدٍ من الكارثة، دون أن تدرك أن ذلك لن
يجلب سوى مزيداً من الاستنزاف المؤلم والمـجّاني، مع تهديدٍ حقيقيٍّ بانهيار
الدولة وتفتّت البلاد. ويتمازج هذا الارتهان الأعمى للعنف مع غياب النية في اجتراح
حلولٍ بديلةٍ، ليعكس مراهقةً سياسيةً أليمةً يدفع ثمنها السوريون دماً ودماراً.
يضاف إلى ذلك فإن العملية التفاوضية التي يكثر الحديث
عنها ستصطدم، عاجلاً أم آجلاً، بعوائق تقنيةٍ يأتي على رأسها عدم وجود أطرافٍ
واضحة البنية وقادرةٍ على الدخول في أي تفاوضٍ مُفْتَرَض. ولهذا فمن الصعب التنبؤ
بتفاصيل التفاوض الذي سيحتاج وقتاً لتحديد الأطراف الفاعلة والفاعلة وأجنداتها.
لكن تُمْكِنُ الإشارة إلى أن أي "حلٍّ" تفاوضيٍ يجب
أن يُراعي، قدر الإمكان، الأساسيات التالية:
-
التوجه إلى
السوريين كافة كشركاء في وطنٍ واحدٍ سواءً كانوا موالاةً أو معارضةً أو صامتين.
فالتوجه إلى شريحةٍ من السوريين على حساب شرائح أخرى، أو ترسيخ صيغة "غالبٍ
ومغلوبٍ" بين المكونات السكانية السورية، هو إقصاءٌ وتحييدٌ وانكسارٌ لقسمٍ
من "المجتمع السوري" (لا نتحدث هنا عن السلطة).
-
التوازن بين
السيادة واللاقطبية: فأي ارتهانٍ لقطبٍ دوليٍ معينٍ يعني مباشرةً تشنج القطب
الدولي الآخر. ولهذا يجب أن تتوفر جبهةٌ ناضجةٌ سياسياً قادرةٌ على فرضِ احترامها
والتعامل مع مختلف الأقطاب دون وصايةٍ أو ارتهانٍ أو عداوة.
-
القدرة على
تحقيق توافقٍ دوليٍ على ظروف الحل: يحتاج ذلك إرادةً سوريةً بالحد الأدنى، ويشمل
ضغوطاتٍ حقيقيةً لوقف العنف (تدريجياً ومناطقياً)، مع ضماناتٍ ووساطاتٍ دولية،
وغيرها.
التفاوض
لا يهدف إلى مُجَرَّد التفاوض، بل إلى تغييرٍ جذريٍ في النظام السياسي: ويشمل هذا موقع رئاسة الجمهورية، وإعادة هيكلة القوى
الأمنية، والدستور، والمصالحة الوطنية، وتشكيل حكومةٍ كاملة الصلاحيات إلخ.
بكل أسف فقد دخلت سوريا في حلقةٍ مفرغة: استمرار الكارثة
يبعدنا عن توفير الشروط المذكورة أعلاه، وتغييب هذه الشروط يسمح للكارثة
بالاستمرار. وهذا ما يجعل من احتمالات الخروج محكومةً بدعمٍ إيجابيٍّ من الدول
الإقليمية في ظلِّ توافقٍ دوليٍّ محكومٍ بالمصلحة والانتهازية الدولية. أخيراً، لا
داعي للتذكير بأن مثل هذا التوافق، إن تحقّق، لن يكون دون كلفةٍ وتبعاتٍ ستدفعها
سوريا على مدى عقودٍ قادمة سنقضيها في "إعادة إعمار" ما خربناه، ومحاولة
رأب الصدوع التي باتت تقسم المجتمع السوري الهش أصلاً.
لقراءة المادة من موقع مركز البناء الإخباري على الفيسبوك يرجى الضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق