حين نغدو ضحيةً لأمراضنا



هل بقي للألم من متسعٍ في قلب وعقل من يتابع المشهد السوري؟ ملايين المشردين واللاجئين، وعشرات آلاف الضحايا، ومئات آلاف الجرحى والمعتقلين والمعذبين. قمة البؤس تكمن في المثقفين السوريين الذين أثبتوا تفاهةً منقطعة النظير، وغياباً بائساً في الحس بالمسؤولية. ركامٌ من الحشو الكلامي، سلاسل من الشتائم، خطابٌ طائفيٌّ عميم، تهافتٌ في الوطنية السورية، انقيادٌ قطيعيٌّ وراء شارعٍ يبحث عمن يقوده، إلى أن تم رهن الدولة للفوضى والعماء، ذلٌّ ما بعده ذل.
أما الكذب والكَيْدِيَّة والنرجسية فهي من السمات الكبرى والعلامات الفارقة الدالة على "المساواة" بين معظم اللاعبين في المشهد: من أصحاب الشراويل الأفغانية إلى أصحاب ربطات العنق، ومن حملة الشهادات العالية إلى الأميين، ومن غيلان الفساد والاحتكار إلى من يحلم بأن يغدو من غيلان الفساد والاحتكار – كيف لا وقطاعاتٌ واسعةٌ من المجتمع قد خضعت لتصحيرٍ فكريٍّ وأخلاقيٍّ ممنهجٍ في مدرسة نظام الأسد البائسة والفاشية؟ عقودٌ من التدجين والتعليب الفكري كفيلةٌ بتخريج مثل هذه النماذج البائسة من المهرجين، وعقودٌ من الاستبداد والتجهيل والتفقير كفيلةٌ بحشو المجتمع بقنابل موقوتة تنفجر لتطيح بالمجتمع والوطن.
هؤلاء أنفسهم، الذين أعموا أبصارنا بالتخوين والكذب والمزاودات، الذين حقنوا الشارع السوري المنشطر حتى الصميم بالأحلام والدم، هؤلاء أنفسهم سيبدؤون عملية التكويع – طبعاً حسب إملاءات من بيده الخيوط التي يحرّك بها تلك الدمى التي تم شراؤها من قبل الروس والأمريكان. النظام خادمٌ ذليلٌ عند أسياده الروس والإيرانيين، قسمٌ واسعٌ من المعارضة مرتهنٌ بابتذالٍ لأولئك الذين يعادون من يساند النظام. وفي الحالتين فالقوى الكبرى غير معنية من قريب أو بعيد بعيون الشعب السوري.
كلام الليل يمحوه النهار، وكلام النهار يمحوه الليل، ليبقى الكلام كلاماً، أما الفعل فهو حكرٌ على غير السوريين ممن يملك القدرة على الفعل! أما القطيع المؤدلج في صيغته الـمُرَفَّهة أو المسحوقة، الغنية أو الفقيرة؛ القطيع الذي أدمن العبودية لشيءٍ ما على هذه الأرض، فهو مستمرٌ بالتصفيق، حتى الموت، دون أن يتعظ ودون أن يفكر لوهلةٍ إلى أين يمضي!
تبرز في خضم هذا الضجيج صورةٌ أليمةٌ: هذا الوطن وهذا الشعب ضحيةٌ لأمراضه التي أُهملتْ حتى استفحلتْ، وصار الشفاء، إنْ كان هناك من شفاء، محكوماً بمرحلةٍ قد تطول من الدم والعنف العبثي والمجنون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق