(صورة مؤلمة لجانبٍ من الخراب الذي أصاب طلعة خان الوزير في حلب القديمة)
أنا
العبد الفقير "الوطنجي" السوري أسأل؛ هل يفيد الاكتفاء بالقول: "قلنا لكم"؟
منذ
أن انطلقت الأحداث في سوريا قلنا لبعير النظام أن القتل لن يوقف الانتفاضة، بل سيؤدي إلى حربٍ أهلية
وضياع سوريا، ولكن البعير لا يمكن أن يفقه. ومع تطور الأحداث قلنا لبعير المعارضة
أن العنف المضاد لن يُسقط النظام بل سيسهم في حربٍ أهلية وضياع سوريا ولكن البعير
مصنوعٌ من طينةٍ واحدة، ولا يمكن أن يفقه.
لكن هل يفيد الاكتفاء بالقول: "قلنا لكم"؟ فقد كان
البعير من الطرفين، وما زال، يبعق ويثقب آذاننا بأنه لا توجد حربٌ أهليةٌ في سوريا، وأن
الثورة أو ممانعة المؤامرة والإرهاب (حسب اصطفاف البعير الذي يتحدّث) مستمرةٌ حتى
آخر طفلٍ سوريٍّ، وستنتصر (يبقى تعريف الانتصار مجهولاً لدى البعير).
الآن
يبدو جليّاً للعيان أن البعير من عديمي الأخلاق والرؤية، من الشوارعجية ورعاع
المثقفين وحثالات الإعلام والمخابرات، من الطرفين، لا يستحقون أن يتشدّقوا بأنهم
سيقودون هذا البلد. وبما أن لكلِّ بعيرٍ بعيرٌ يصفق له، فماذا تتوقعون؟ ما هو
مستقبلُ بَلَدٍ الكلمةُ فيها للبعير؟
منذ
اللحظة الأولى كنا ضد سفك الدم السوري. لكن بعير النظام لم يستوعبوا ذلك. وبعير المعارضة
لم يستوعبوا ذلك. معظمهم أدْمَنَ لون الدّم، معظمهم أدْمَنَ منظر الضحايا، أما
الانحطاط فيتجلّى حين يتحدّث هؤلاء البعير عن الحرية والكرامة والوطن.
لكن هل يفيد الاكتفاء بالقول: "قلنا لكم"؟ هل
ارتكبنا ذنباً ما؟ هل قصّرنا نحن الذين قلنا وكَرَّرْنا كلَّ ما سبق؟ نعم بالتأكيد.
إذ لم نملك القوة والأدوات، ولم نستطع أن نترك أثراً يقف في وجه البعير. حاولنا بناء شيءٍ هنا وهناك،
لكن الأحداث كانت دائماً أسرع منا. فما يُبْنَى بأسابيع ينهارُ في لحظةٍ برصاصة
غدرٍ أو قذيفة. أؤنبُ نفسي؟ ربما نعم، فتأنيب الذات سبيلٌ لتقويمها (إن بات في المشهد مساحةٌ للتقويم).
لا
عزاء لنا في مصابنا السوري، لا عزاء لنا فيما حلَّ ويحلُّ وسيحلُّ بوطننا. ولكن لا
مناص من أن نكمل. فلهذه الأرض حقٌّ علينا.
ووسط كلِّ هذا أُذَكِّرُ نفسي بأن أولادي يوماً ما سيسألونني، يوماً ما سيلومونني، وعليَّ أن أكون على قدر ذاك السؤال واللوْم. ومن يدري؟ فلعله سلوانٌ لهم في أن أباهم لم يكن خَوّاناً أثيماً، ولم يتاجر بوطنه وأهله.
ووسط كلِّ هذا أُذَكِّرُ نفسي بأن أولادي يوماً ما سيسألونني، يوماً ما سيلومونني، وعليَّ أن أكون على قدر ذاك السؤال واللوْم. ومن يدري؟ فلعله سلوانٌ لهم في أن أباهم لم يكن خَوّاناً أثيماً، ولم يتاجر بوطنه وأهله.
أخيراً
أُذَكِّرُ نفسي بأني يوماً ما سأموت، وبأن هذا الجسد سيتوسَّدُ مكاناً ما تحت
التراب، وأنني سأقف بين يديّ ربٍّ عظيمٍ كيْ أُسْأَلَ عمّا قدّمَتْ يداي: إلهي؛ أُشْهِدُكَ
بأني ما دعوتُ يوماً إلى إراقة الدم، وأُشْهِدُكَ أني سعيتُ جهدي، مع تقصيري، في
حقن الدم، وأني أخافُ اللهَ ربَّ العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق