حين يغدو البقاءُ على قيْدِ الحياةِ ذنباً


(لوحة الغارقون بدمائهم للفنان وسام الجزائري)

"كيف يموت غيرنا ونحن هنا؟"
يصرخُ بعض أعزِّ أصدقائي ممن يعيش في الداخل السوري. يشعرون بتأنيب الضمير. يجتاحهم إحساسٌ مريرٌ بالذنب لأنهم، وفقط لأنهم، ما زالوا على قيد الحياة! أيعقلُ أن يغدو البقاء على قيد الحياة ذنباً؟ يأتي الجواب مباشرةً من سوريا، بلادنا الجميلة التي باتَتْ موطناً للجنون واللامعقول: حين يصبح الموت هو القاعدة، تصبح الحياة قضيةً للترف.
أغلق سماعة الهاتف. أتأملُ عجزي، أتنهدُ، وأسمحُ للعين بأن تدمع. يا إلهي؛ بتنا نقيس الأشياء بقربها أو بعدها عن الموت، عن رائحة الموت، عن لون الموت، حتى صار انتشار الموت معادلاً لكراهية الحياة.
وسط كلِّ ذلك أُذَكِّرُ نفسي بأن البقاء على قيد الحياة ليس ذنباً على الإطلاق، فالأصل في الأشياء إعمارُ هذه الأرض. لكن الذنبَ كلُّ الذنبِ في الفشل في منع الموت عمّن رحل، والفشل في الحفاظ على حياة من بقي. الذنبُ، وبكلِّ اختصارٍ،  خصلةٌ قبيحةٌ نتشارك بها كلنا، الذنب عبارةٌ عن مأساةٍ تلاحقنا، مأساةٍ ملازِمَةٍ لاستمرار هذه الحرب المجنونة والحقيرة. وإن أردنا التكفير عن الذنب فلا بدَّ من إيقاف الحرب: معادلةٌ بسيطةٌ لا تروق لتجار الدم، معادلةٌ بسيطة لا يستوعبها صُنّاع الموت، معادلةٌ بسيطةٌ كلُّ تأخيرٍ في تحقيقها إمعانٌ في كراهية الحياة، وإمعانٌ في الذنب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق