ملاحظة: لقراءة المساهمة من موقع تايمز التعليم العالي (بالإنكليزية) يرجى الضغط هنا.
المنفى: لقد كانت الاستجابة غير
كافية. نحن بحاجة إلى إرادةٍ حقيقية، وخطط للعمل.
للتعليم حضورٌ بارزٌ لدى الطبقة الوسطى السورية.
بدلاً من الاستسلام للتشاؤم، يجب علينا التمسك بإيماننا بالخير المبثوث في الجنس البشري.
في ذلك اليوم، كنتُ أشاهد مقابلةً على قناة سكاي نيوز مع سيدةٍ من سوريا
اسمها رشا. كانت عالقةً على الحدود المجرية-الصربية مع زوجها وابنتها البالغة من
العمر ست سنوات. قالت رشا: "كل [المهاجرين] يريدون الذهاب [إلى أوروبا] من
أجل أطفالهم، وليس من أجل أنفسهم أنفسهم. أوكي. خذ طفلتي إلى ألمانيا، لا مشكلة
عندي. وسوف أعود إلى سوريا. حقي في أن أعيش حياة آمنة؟ أنا لا أريد هذا الحق، ولكن
أريده لطفلتي، كي تذهب إلى المدرسة، هذا حق بسيط، أليس كذلك؟"(يمكن متابعة المقابلة عبر الضغط هنا)
للتعليم حضورٌ بارزٌ لدى الطبقة الوسطى السورية. فمنذ
إنشائها عام 1918، شهدت سوريا تزايداً في معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة،
وتميزت بنظامٍ تعليمي معقول، وبوجود مدارس وجامعات عامة. ومع ذلك، فإن السلطات
السورية المتعاقبة تعاملت مع النظام التعليمي كأداة لتوريد البيروقراطيين والفنيين
والتقنيين، وليس من أجل إثراء البحث والتفكير النقدي والحياة الفكرية. وقد أصبح
هذا النهج "النفعي" أكثر وضوحاً بعد مجيء حزب البعث السلطة عام 1963،
حيث قَمَعَ حرية التعبير، وفَرَضَ القيود الأيديولوجية على العلوم الاجتماعية
والإنسانية، واستخدمَ المدارس والجامعات كمؤسساتٍ للدعاية الحزبية.
في العقد الماضي، تم إدخال إصلاحات على القطاع التعليمي العالي، بما في ذلك
رواتب أفضل للأكاديميين وزيادة في تمويل البحوث العلمية. في ذلك الوقت، كنتُ
محاضراً مساعداً في جامعة حلب. بعدها وأثناء إقامتي في المملكة المتحدة للتحضير
للدكتوراه، ساهمت في إنشاء وحدة أبحاث السرطان في جامعة حلب عام 2011. ولكن الحماس
بإطلاق وحدة أبحاث السرطان كان ممزوجاً بشعور بأن المشروع غير قابل للاستمرار،
فالإصلاحات كانت جزئية ومقتصرة فقط على قطاع التعليم العالي، مع تجاهلها للقيود
المفروضة على المجتمع السوري ككل في ظل الاستبداد.
لقد تركت الأزمة السورية، والتي بدأت في العام نفسه، وأدت إلى ما يقدر بـ 250،000
حالة وفاة و 12 مليون نازح. وبالتأكيد في ظل هذه الأوضاع فقد تضررت القطاعات
الأكاديمية والتعليمية، ولم تكن في منأى من الآثار التدميرية. أما الأبحاث
العلمية، بما في ذلك وحدة أبحاث السرطان التي أغلقت عام 2012، فقد أصبحت ترفاً لا
يمكن التفكير فيه في سياق الأزمة الإنسانية القائمة. لقد تضرر الطلاب والعاملون في
القطاع الأكاديمي والتعليمي، واضطر الكثير منهم إلى ترك البلاد بسبب التهديدات
المباشرة أو غير المباشرة على حياتهم، وكنتُ واحداً من هؤلاء السوريين، وهذا ما
أدى إلى قراري في أن استقر في المملكة المتحدة عام 2012.
للأسف فإن استجابة العالم تجاه الأزمة السورية غير كافية، غير منظمة، وغير
مستدامة. المملكة المتحدة يمكن لها، ويجب عليها، بذل المزيد من الجهد. فلدى
المملكة المتحدة الموارد المادية، والمسؤولية الأخلاقية، إضافة إلى تاريخ حافل
بدعم اللاجئين. يمكن للمملكة المتحدة مثلاً دعم مشاريع السلام، ودعم أبحاث مكثفة
عن جذور الأزمة السورية، والدفع نحو حلول حقيقية. يمكن للجامعات في المملكة
المتحدة أن تلعب دوراً هاما أيضاً من خلال تقديم المنح الدراسية والزمالات لدعم
الباحثين والخريجين السوريين. كما يمكن وضع برامج مشتركة مع الجامعات في تركيا
ولبنان والأردن، والمساهمة في لإقامة جامعات ومدارس موقتة للاجئين السوريين في دول
الجوار. ما نحتاج إليه هو الإرادة الحقيقية، وخطط العمل.
من المؤسف أن البشر لم يبتكروا طرقاً لتسوية النزاعات دون اللجوء إلى الحرب
والدمار. ومع ذلك، وبدلاً من الاستسلام للتشاؤم، يجب علينا التمسك بإيماننا بالخير
المبثوث في الجنس البشري. حينها، يمكن أن تأتي الفرصة للشتات السوري المتزايد، بما
في ذلك الأكاديميين المغتربين من أمثالي، كي يعودوا إلى وطنهم السوري مرة أخرى.
طلال الميهني: باحث في قسم العلوم العصبية السريرية في جامعة كامبردج،
ويشغل منصب مدير مركز دراسات الفكر والشأن العام.
لقراءة
المساهمة من موقع تايمز التعليم العالي (بالإنكليزية) يرجى الضغط هنا.