عمل للفنانة سلافة حجازي
يوماً ما سيقومون بتَسْوير المنطقة المسماة بالشرق الأوسط.
سيكون سوراً عظيماً يضاهي سور الصين. سوراً مُحَصَّناً تعلوه الأسلاك الشائكة،
وتتخلله أبراج الحرس، وكاميرات المراقبة.
سيحشدون وراء هذا السور كل ما أُنْتج من همجية. الشائعات
تنتشر كالهشيم. هناك من يقول أن وراء السور أكبر حديقة حيوان في العالم. هناك من يقول
أن وراء السور قومٌ ما زالوا يعيشون في زمنٍ انتهى، ويسفكون دماءهم لخلافٍ وقع على
كرسي السلطة قبل 14 قرناً. هناك من يقول أن وراء السور أبرياء لكنهم مجرد كومبارس
وظيفتهم الموت، أو انتظار الموت. هناك من يقول أن وراء السور نموذجٌ واقعيٌّ من
جهنم: مكانٌ لا مكان فيه للحياة الآدمية، مكانٌ يختنق فيه الهواء، وتنتحر فيه الأحلام،
مكانٌ يموت فيه الإنسان هكذا لا لشيء، فقط لأنه صَدَفَ ومرَّ في المكان الخطأ في اللحظة الخطأ، وصَدَفَ أن شخصاً قذراً بلا قِيَمٍ أو أخلاق قد أرسل، في ذلك المكان وتلك اللحظة، الرصاص أو الصواريخ
أو الهاون أو أحزمة المتفجرات.
سيأتي السيّاح من أصقاع الأرض، وهم يحملون النواظير، كي
يتأملوا معنى التخلف، كي يضحكوا على هذا العالم الغريب، كي يقهقهوا
على الحماقة المغروسة في هذا المكان، كي يراقبوا الزمن وهو يقفز نحو الوراء. لكن على
السيّاح أن يتذكروا، أنهم مُتَوَرِّطُون في الموت الـمُقيم وراء السور؛ فقوانين هذه الحياة
الظالمة تقول: على المنطقة أن تموت، أن تتعمَّد بدمائها، أن تحترق بغباء أبنائها، كي يحيى أولئك السياح؛ أولئك الذين يعيشون خارج
السور!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق